السلام عليكم ورحمة اللع تعالى وبركاته
ايها الاخوة الفضلاء والابناء الاحباء كاول مشاركة لي في هذا المنتدى الطيب على هذا الموقع
الجميل لقرية حطان التي اصبحت اليوم مدينة والتي انتسب اليها بل انا من مواليدها في خمسينيات
القرن الماضي وقضيت بها طفولتي وشيئا يسيرا من شبابي فهي في كياني وفي وجداني ويسرني
ويشرفني ان اضع بين ايديكم هذه الخواطر التي كنت قد كتبتها منذ مدة عن هذه القرية الساحرة .
حطان , أيتها القرية الغريبة الأطوار
ما لي كلما هممت أن أكتب عنك شيئا
ارتعشت أناملي , وتحركت مكامني ,
وخالجني شعورغريب .....
كلما تذكرتك أوتذكرت منك شيئا من غيرنسيان
أتدور,أتبعثر, تهتز مشاعري , تتغير ملامحي
يقشعرجلدي ويكتنفني هول وشجن , يترنح قلبي
بين ضلوعي وأبكي .....
كيف لا , وفي كل زاوية منك ذكرى , وفي كل
درب منك موقف , وفي كل زقاق منك قصة .....
فيك كانت أفراحي , وبعد فراقك كانت مآسي
فيك كانت أول صرخاتي , وفيك احتضنتني أمي
فيك مدرستي , وفيك ترعرعت واشتد عودي ...
كيف أكتب عنكِ , وما عساني أن أكتب عنكِ
فأنا منكِ وأنت مني , أنتِ أنا وأنا أنتِ ...
الحديث عنك ذوشجون أيتها الحبيبة ...
فمهما اعتصرت ذاكرتي واستحضرت ماضيك
وصورا من أيامك ولياليك الجميلة لاأستطيع
ولن أستطيع وصفها والوقوف عند روعتها ....
منذ أن عصفت بي رياح أقداري ورمتني خارج
أسوارك مانسيتك , رحلت عنك حاملا معي كتبي
وحاملاحسرتي ودموعي , بكيتك سنين شبابي وهاأنا
و قد شابت مني الذوائب لايفارقني حبك , كنت دائما
شمسي وكنت مائي وهوائي .......
وأناأكتب عنك وأتألم بين سطورك في هذه الليلة
الماطرة ليلة شتاء من ليالي فبرايرالباردة, وكأنها
علمت أني استنفرت أفكاري تهزني أنفاسي وأنا
أكتب عنك , وكأنهاعلمت بما يخالجني وماأكابده
وكأنهاعلمت بانسياب الحروف وأنا أرثي ماضيك
المفقود فأبت إلاأن تشاركني ألمي .....
ذكرتني بليالي الشتاء في حطان وليلها البهيم الذي لا يكاد
يحل ألغازه نورالأعمدة المنبعث , ورياح الشتاء القوية تغير
مابداخلي تحركني كما تحرك جذوع الاشجاروتستفزأوراقها
الصفراء فلا تسمع لهاإلاأنينا يزيد القرية خشوعا وتميزا .....
في حطان قريتنا الساحرة .....
أينما وليت وجهك تحاصرك الأزقة الجميلة التي
تحمل اللمسة الفرنسية رغم بساطة تصميمها
كما يحاصرها هي الآن إهمال وإهمال وتغيير معالم
في الأحياءالقديمة بيوت متقاربة كما تقاربت قلوب سكانها
وتناسقت أساليب عيشهم البسيط ........
أبواب شبه متلاصقة تواجهها أخرى نسجت بين
سكانها سماحة وحبا ووئاما لم أعهده في حياتي
رغم اختلاف أعراقهم ولغاتهم ...
شوارع تتوسطها وعلى طولها أشجار ضخمة
منها ما هوغربي تشكل متنفسا لكل حي من أحياء
القرية , ولكل درب من دروبها وهي لازالت تشهد
ولسان حالها يقول هناكانت حياة طيبة , هنا كانت حياة
شاعرية , هنا كان التآلف والتجانس ,هنا كانت السماحة
والحب والوئام ...
كل شيءكان ينم عن البساطة والصدق والجمال ,
أتذكر , أتذكر وأبكي .....
أتذكر تلك الأزقة قبل خمسين سنة مرت
والأمهات متحلقات حول موائد القمح يزلن
عنه الشوائب وهن يرشفن كؤوس الشاي ,
يتبادلن الحديث وحكايات الحياة في حميمية
وصفاء , ونحن في عالم اللامبالاة نلهوونلعب
غيرمكترثين بزخم الحياة وتكاليف الأيام , نتللذذ
بطفولتنا وعفويتنا ...
أتذكر, أتذكر وأبكي
أتذكرتلك النساء من الأرامل وغيرهن وهن يدفعن عنهن
الفقر ويكافحن من أجل لقمة عيش لهن ولأبنائهن بكرامة
وحياء وعزة نفس , يدافعن عرباتهن المثقلة بالبراميل
وكم كانت تشغلني أحديتهن المطاطية الجميلةالمبطنة بالقطن
المختلفة الألوان وكأنها صنعت تخصهن ولاتخص أحداغيرهن
وهن ينقلن الماء للبيوت من صنابيرمثبة بأماكن متعددة على
خلفيات من الزليج تشكل لوحات رائعة .....
أتذكر ونحن نمشي إلى المدرسة صباحا مارين
بمقهى مولاي حيث عبق الإسفنج الشهي يملأالمكان
ومساعده عمرالقهوجي القصير يصفف حلقات الإسفنج
الذهبية بحركات بديعة ومتناسقة في أشرطة للزبناء الذين
يضيق بهم المكان أحيانا ونحن نحمل محافظنا نرقب ذلك
عن كثب .....
وليس ببعيد عنه نمر بالحلاق النشيط يرتب
دكانه وآلات الحلاقة البسيطة طالقا صوت
مذياعه في عز الصباح وعبد الوهاب يشدو
وعبدالمطلب ودرويش وماقصرعند كلثوم
واسمهان , وغيرهم كثير مع أني لاأدعولذلك
الآن وأدعوإلى كتاب الله وسنة رسوله ( ص )
كنا نسمع مذياعه عند منتصف النهار
وصوت عبد الباسط الشجي وهويتلوآيات
القرآن الكريم ونحن نحمل الخبز من الفرن
للغداء حيث طاجين اللحم الأحمر الأكثر
حضورافي بيتنا ينتظرني وأنا لاتفارق مخيلتي
دروس ما بعد الزوال وما سأتلقاه والرفقاء من
معلمينا , اولئك الأخيارالذين كانوا بحق رسلا
أتذكر , أتذكروأبكي ...
أتذكر ونحن نمر بجانب الحمام الكبير حيث
يجتمع شيوخ القرية عادة كل مساء وهم
يستمعون حكايات وقصص(عمر العيار)
ذاك الحكواتي الأسمراللون بجلبابه الواسع
وطربوشه(ا لوطني) الرمادي وقد ملأ
الشيب صدغيه , وهموم الليالي والأيام
رسمت تقاسيم على وجهه , يجلس على
كرسيه الخشبي وفي يده كتابه الضخم
وبمهارة واحترافية يسرد قصصه الهتشكوكية
التي تشدالأنفاس , (الأزلية , العنترية ) وغيرها
ونحن الصغار نتحلق معهم وقد أكلنا أكلة
المساء بعد العودة من المدرسة ,عيوننا محملقة
آذاننا كلها إصغاء , وقلوبنا تكاد تتوقف كلما
مر بمشهد مثير , وماينهي مجلسه وإلاوترك
قصته عند موقف غريب وعجيب يجعلنا نتشوق
بل نتحرق للحضور مساء اليوم الموالي .......
قصص كنا نهيم بها ونحن في اليقظة , وقد نحلم بها
احيانا على فراش النوم , وبعدالقيام نحاول ان نعمل
جادين على محاكاتها ......
أتذكر , أتذكروأبكي
أتذكر أعياد الاستقلال و العرش , والقرية
أخذت زخرفها وازينت بمختلف الألوان
والأشكال قاعات متنقلة وثابتة أقيمت في أماكن
مختلفة من القرية .......
احتفالات في كل مكان تكاد تصبح كرنفالات ,
هيستيرية احتفالية , أهازيج وترانيم , فرح ومرح
يغمر القرية ويبعث في سكانها البهجة والسرور .....
أتذكر, أتذكر وأبكي
أتذكر عاشوراء حيث نذهب مع آبائنا لأخذ
الهدايا التي أعدت لأبناءعمال الفوسفاط بجانب مكتب
رئيس القرية , هناك تشيد كل سنة خيمة طويلة
عريضة , رائعة , مليئة ومزهوة بأشكال وألوان
علب الحلوى ولعب الأطفال الجميلة الفرنسية
الراقية والرائعة والتي لاتكاد تراها إلافي هذا المكان
وفي هذه المناسبة .....
أتذكر , أتذكر وأبكي
أتذكرك قريتي الحبيبة ,أتذكرأيامك الصيفية ونحن
نستمتع بالمثلجات سعداء بأيام العطلة الصيفية
نركض , نجري , نلعب , وكأننا نملك الدنيا
وحرارة الشمس وأشعتها الذهبية وإسفلت الشوارع
الحارلاتزيدنا إلا بهجة وارتياحا مبسوطين فرحين
بأيام الصيف الجميلة .....
أتذكر , أتذكر وأبكي
أتذكر أمسيات آخرأيام الأسبوع ونحن في عز الشباب
وكلثوميات السبت والسهرة الفنية على الشاشة والقرية
لاتكاد تخلو من عرس هنا أوهناك ونحن الرفقاء ننتشي
بليلنا ونتأمل الأماكن , نتمشى على طرقات قريتنا السعيدة
نتجادب أطراف الحديث حركة غيرمعتادة ,القرية بعمالها
وتلاميذها فرحة وهي تستعد للخلود ليوم من الراحة .......
يوم الأحد في حطان ليس ككل الأيام حيث ينتصف النهار
والقرية لازالت تتثائب والكثير من العمال وسهار الليل
لازالوا يعانقون وسائدهم نائمين .......
أتذكر كل أصيل من آصالك الرمنسية والشمس
تروم للغروب وصوتك الشجي يخفث بخفوثها
والهدوء يدب في أوصال شوارعك , وأضواء
المصابيح الخافث يبعث في القلب سكونا وتأملا
وتقديرا للحياة , مشاهد مذهلة كلما تذكرتها يكاد
نفسي ينكتم وقلبي يتوقف أوينطرح ......
وهاأنا ورغم شيبي لازال كل مساء يرعبني ولا زال
كل غروب يخيفني , تخيفني خرجاتي , تخيفني لفتاتي
وكلما حاولت التخلص من خوفي لاأستطيع .....
كثيراما فكرت في أمري وسألت نفسي , تسائلت لماذاأنا
هكذا؟! لماذاأرغب ملازمة البيت وأكره الخروج مساءا؟!
ولماذا كل الأماسي عندي تشبه أماسيك؟! فما وجدت تفسيرا
لذلك إلى أن قفز الجواب يوماإلى ذاكرتي وشخصت لي
صورة مساء ذلك اليوم الذي كان فارقا في حياتي وأنا
ابن ست سنين .....
أتذكر , أتذكر وأبكي
إن سألوك عني قريتي الحبيبة فقولي لهم إنه
ابني , ابن حطان , احتضنته في أحضاني
قولي لهم إنه أكل خبز أمه فوق أرضي ...
وفيَ تلقى تربية وعطف أمه وأبيه , وأول حرف
هجاء كان في مدارسي وفوق ترابي ......
قولي لهم مدن وقرى العالم كلها لاتسعه , وبيت
من بيوتاتي يحتضنه ويكفيه .....
قولي لهم أنا بعد الحرمين الشريفين عنده
أغلى وأحلى بلدان الدنيا ....
قولي لهم لإن قال مجنون ليلى
" مررت بديار ليلى أُقبل ذاالجدار والجدار
وما حب الديار شغلن قلبي ولكن حب الذي سكن الديار"
قولي لهم فابني ومجنوني يقول :
" ذهبت حطان أزور ذا المكان والمكان وحب الأماكن
شغلن قلبي وحب الذي كان قد سكن المكان "
قولي لهم لإن أحبني فحبه لي لايشغله عن حب الله
وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ولايشغله عن صوامعي
ومساجدي .....
قولي لهم لإن رحل عني بجسده فروحه معي
والإنسان بالروح لا بالجسد .
بوشتى الزيد
الرئيسية حطان المدينة 
